البرلمان الاوروبى ارشيفية

كمواطن مصرى يعمل فى البرلمان الأوروبى أعتقد أن القرار الذى اصدره البرلمان الأسبوع الماضى عن مصر وقضية الباحث الإيطالى المقتول فى مصر جوليو ريجينى يستحق كثيرا من الاهتمام، لتفادى كثير من سوء الفهم.

فى البداية، وعلى عكس ما سمعته من بعض المعلقين عن اعتماد البرلمان على معلومات مغلوطة؛ فإن الاتحاد الأوروبى معلوماته صحيحة بشأن الأوضاع فى مصر ويكن لها كل الاحترام والتقدير لمصر، ويتابعها فى كثير من خطواتها التى انطوت على لحظات الأمل السعيدة وأوقاتها الصعبة.

إن قرار البرلمان الأوروبى الصادر فى 10 مارس الحالى ليس الأول من نوعه، حيث كان هناك كثير من القرارات بشأن مصر منذ 2011.

فقد رحب البرلمان الأوروبى بثورة 25 يناير بكل إعجاب وأمل، ثم أدان القمع والقهر الذى مارسه الإخوان المسلمون عندما كانوا فى السلطة، وبعدها دعا جميع الأطراف للامتناع عن ممارسة العنف فى 2013، ثم رحب بالدستور المصرى الجديد فى مارس 2014، ومرة أخرى أدان عمليات القمع المثيرة للقلق ضد الصحفيين، والمبدعين، والباحثين والمنظمات غير الحكومية فى مصر باعتبار كل هؤلاء يمثلون أصواتا مهمة لبناء مجتمع قوى وثرى.

والحقيقة أنه لا توجد أى مؤامرة ضد مصر فى البرلمان، أعتقد أن حديث المؤامرات يكون فى أغلب الوقت خرافات لتحويل الانتباه بعيدا عن المواضيع المهمة حقا.

فالبرلمان الأوروبى يتابع تطورات مصر باهتمام، وبثقة فى أن المصريين سينجحون فى بناء دولة أقوى وأكثر استقرارا وديمقراطية وازدهارا لأن مصر، بلد نجيب محفوظ وغيره من النوابغ، لا تستحق أقل من ذلك.

ثم إن البرلمان الأوروبى لا يدعى أنه فى وضع يتيح له إعطاء مصر دروسا، وإنما يعبر عن القلق من صديق لصديق. وهى نفس مشاعر قلق البرلمان الأوروبى بسبب تزايد التمييز ضد العرب والمسلمين فى أوروبا منذ 11 سبتمبر 2001، وتنامى هذا التمييز منذ الهجمات المتعددة فى باريس. كما البرلمان الأوروبى يشير بشكل شهرى تقريبا إلى انتهاكات حقوق الإنسان داخل أوروبا، منها على سبيل المثال المعاملة المخزية للاجئين فى عديد من الدول الأوروبى أو فضائح الفساد داخل البرلمان الأوروبى نفسه.

وبعد كل ذلك تبقى النقطة الأهم وهى أن القرار الذى صدر عن البرلمان الأوروبى بشأن مصر صدر بأغلبية ساحقة بلغ عددها 588 عضوا منتخبا فى البرلمان الذى يقرر قوانين أكبر سوق فى العالم. هؤلاء هم أصدقاء مصر الحقيقيين، من جميع الدول الأعضاء والمجموعات السياسية، يعلنون دعمهم القوى لنجاح الحوار المصرى – الأوروبى فى جميع المواضيع، بدء من التجارة إلى التعاون الأمنى ضد داعش، ولكن أيضا تحسين وضعية حقوق الإنسان.

إن الأعضاء العشرة الوحيدين الذين صوتوا ضد القرار حول مصر هم عنصريو اليمين المتطرف الذى يؤمنون بأن العرب والمسلمين أقل قيمة من الأوروبيين، وهذه الأقلية الفاشية ضد أى حوار ولا يؤمنون بحقوق الإنسان كقيمة. أما التسعة والخمسون عضوا الذين امتنعوا عن التصويت على القرار فهم اليمين المتطرف العنصرى لفرنسا من حزب مارى لوبان «الجبهة الوطنية»، ونظرائهم فى دول أخرى، وصمتهم لا يعنى أنهم أصدقاء مصر، على العكس فهم غير مهتمين بمصر نهائيا، بل إنهم، على سبيل المثال، ينظمون حملات ضد حقوق المهاجرين العرب المسلمين فى أوروبا.

على المصريين أن يشعروا بالاطمئنان إلى أن البرلمان الأوروبى بعث برسالة موحدة لمصر من قبل 588 صديقا لها فى العاشر من مارس، لأن هذه أصوات رجال وسيدات معتدلين، ومحترمين وعمليين يقودون بلادهم فى أوروبا.

وما أن نفهم أهمية وتعقيد العلاقات المصرية ــ الأوروبية؛ يمكن أن نناقش الرسالة من وراء القرار. لقد تم تحريف القرار باعتباره دعوة لقطع كامل للعلاقات العسكرية والأمنية مع مصر، وهو خطأ. ما قاله البرلمان الأوروبى أنه يريد من الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى أن يوقفوا نقل المعدات التى يمكن أن تستخدم فى القمع، وهذا لا يشمل أغلب أشكال التعاون بين الجانبين. إن الوضع مقلق فى مصر لكنه لا يقارن بسوريا، والتعاون فى المجالات العسكرية الأمنية مستمر ولكن بحذر بسبب استخدام القوة ضد المدنيين كما شاهدنا فى مصر، والذى وعدت السلطات العليا فى مصر بالتعامل معه، ونأمل أن يتم تطبيق القوانين التى اقترحها البرلمان المصرى لتقليل انتهاكات حقوق الإنسان بنجاح، حتى لو استغرق الأمر بعض الوقت.

وأخيرا، لم تلحظ ردود المسئولين المصريين على القرار أن البرلمان الأوروبى وضع فى الاعتبار الوضع الأمنى الحساس فى مصر، وهنا اسمحوا لى أن اقتبس مباشرة من القرار الرسمى عبارة: «يؤكد على الأهمية التى يوليها الاتحاد الأوروبى للتعاون مع مصر باعتبارها جارة مهمة وشريك ودور مصر لبناء الاستقرار فى المنطقة. يشارك هموم الشعب المصرى حول التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية التى تواجه بلدهم ومنطقتهم. ويدين هجمات الإرهابيين على المدنيين والجيش المصرى».

إن مصر والاتحاد الأوروبى صديقان عليهما أن يهتما ببعضهما البعض، فتاريخنا وثقافتنا المشتركين يستحقان ذلك، ومستقبلنا معا هو الطريق الوحيد للأمام. وببطء ولكن بثقة سيتحسن الحوار، واتمنى أن أكون ساعدت فى هذا باعتبارى مواطنا مصريا فرنسيا.

مستشار الشئون الخارجية فى البرلمان الأوروبى

SchamsEU@تابع الكاتب على تويتر: